الشباب هم الوقود أو الرصيد الحقيقي الذي لا يمكن بدونه بناء وتنمية ورفعة أي مجتمع حتى وإن توفرت لديه كل المقومات والإمكانيات والثروات بمختلف أشكالها.. لذا يعد القضاء على هؤلاء الشباب -وخصوصًا الشباب العربي المسلم- هو الشغل الشاغل والهَم الأول والأكبر لأعداء الإسلام والمسلمين الذين تآمروا ودبروا ونفذوا خطتهم الدنيئة في تغييبهم وتدمير صحتهم البدنية والعقلية والنفسية بإغراق بلادهم بالمخدرات بشتى أنواعها وأسعارها حتى لا يفيقوا أبدًا ولا يشعروا بآدميتهم وأهمية دورهم الكبير في إنتشال أمتهم من كبواتها وعثراتها التي لا حصر لها.. فما فائدة وجود الثروات والآليات والخطط المدروسة دون أن تكون هناك عقول يقظة وسواعد قادرة وهمم عالية وأبدان صحيحة توظف هذه الثروات خير توظيف وتطوعها لخدمة البشر وتحقيق الهدف الذي خلق الله بني آدم من أجله وهو تعمير الأرض التي إستخلفنا الله فيها؟..
إنتشرت ظاهرة إدمان المخدرات في مجتمعاتنا العربية انتشارًا واسعًا بشكل غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك على مرأى ومسمع من الحكام العرب ومعاونيهم من الوزراء والمسؤولين دون أن يحركوا ساكنًا أو تكون لهم مساع دؤوبة وقبضة حقيقية للتصدي لهذه الكارثة التي أصبحت خطرًا يهدد أمن وسلامة وإستقرار الأمة العربية والإسلامية كلها.
تلك المخدرات التي لو لم نقضِ عليها قضت علينا، وإذا لم ندرك حجم أخطارها وفداحة آثارها على المستويات كافة لتسببت في تدمير كياننا وتصدع بنيانه، فلا أمل ولا رجاء ولا مستقبل لشباب يدمن هذه المخدرات التي تؤدي إلى وفاتهم مبكرًا أو إصابتهم بالأمراض المزمنة والجنون، ولو امتد بهم العمر سيعيشون في معزل عن الناس وعلى هامش من الحياة بلا أي تأثير أو دور فعال يقومون به!..
تعريف المخدرات:
المخدرات لغةً: مشتقة من الخِدْر.. وهو ستر يُمد للجارية في ناحية البيت، والمخَدر والخَدَر: الظلمة، والخدرة: الظلمة الشديدة، والخادر: الكسلان، والخَدرُ من الشراب والدواء: فتور يعتري الشارب وضعف.
أما المخدرات إصطلاحاً: فلا يوجد تعريف عام يتفق عليه العلماء المتخصصون، بحيث يوضح مفهوم المواد المخدرة بجلاء، وإن كان هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية للمخدرات، حيث عرفت المخدرات بأنها:
ـ المادة التي يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقد الوعي أو دونه، وتعطي هذه المادة شعورًا كاذباً بالنشوة والسعادة، مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال.
كما أنها كل مادة خام أو مستحضرة تحتوي على جواهر منبهة أو مسكنة من شأنها إذا إستخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية الموجهة أن تؤدي إلى حالة من التعود والإدمان عليها مما يضر بالفرد والمجتمع جسميًا ونفسيًا وإجتماعيًا.
ويعرفها بعض الباحثين من خلال زاويتين مختلفتين: إحداهما علمية، والأخرى قانونية.
ـ التعريف العلمي: المخدر هو مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم، أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم.
ـ التعريف القانوني: المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان، وتسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص لهم ذلك.
**مما سبق يمكن تعريف المخدرات على أنها: كل مادة مسكرة طبيعية أو مستحضرة كيميائياً من شأنها أن تزيل العقل جزئيًا أو كليًا، وتناولها يؤدي إلى الإدمان، بما ينتج عنه تسمم في الجهاز العصبي، فتضر الفرد والمجتمع، ويحظر تداولها أو زراعتها، أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
كيف يقع الشخص في أسر الإدمان؟
إذا وقع الفرد في بداية طريق تعاطي المخدرات فلا بد أنه سينزلق إلى نهايته المعروفة وهي الإدمان الذي يستفحل خطره في العالم العربي يومًا بعد يوم، خاصة مع دخول نوعيات جديدة من الشباب صغيري السن من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات دائرة الموت والهلاك، كما يستفحل خطر الإدمان يوماً بعد آخر، لأن الفئات المدمنة تدمن تعاطي المخدرات المختلفة مثل الهيروين والكوكايين، وهي ما تعرف بـالمخدرات البيضاء، وهي عظيمة الخطر باهظة الثمن، ولا يأتي إدمان الشباب لها من فراغ، فلا يحدث أن يدمن الشخص الهيروين أو الكوكايين مباشرة، وإنما يبدأ بأنواع أخرى من المخدرات، ثم يتعرف على الهيروين، وغالبًا ما يعرفه عن طريق التاجر أو صديق السوء، حيث يبدأ أيٌ منهما بإغرائه بأن يمنحه جرعة بلا مقابل مادي، ويوهمه بأنه نوع أفضل من الذي يعتاده، وبعد أول مرة أو بعد الثانية يحدث الإدمان، فيعود إليه ثانية، ولكن هذه المرة يدفع المقابل ويصبح زبونًا مدمناً للهيروين.
ولا يقتصر الأمر على الذكور فحسب، بل إن إدمان الهيروين والمخدرات البيضاء تفشت بين الفتيات والنساء اللائي يتعرفن عليها ويبدأن تعاطيها عن طريق أزواجهن أو زملائهن في المدارس والجامعات -إذا كانوا مدمنين.
إذن، فالإدمان يبدأ من الجرعة الأولى على شبه مجاملة عفوية، وتَوَرِّطٍ خال من الإرادة، وبعد أن يستهين الإنسان، ويظل مع قرناء السوء من بني جنسه أو الجنس الآخر، حتى ينقلب الأمر عليه ويصير طالباً لا مطلوباً، ومستدعياً لها لا مدعواً، ويهلك فيها صحته ونفسه وماله، ويخسر كل من حوله، إذ يصبح بها مغرماً، ويستدين في سبيلها، بل ربما يسرق ويختلس وينهب ويقامر ويقتل، ويتعامل مع الممنوع والمحرم، بهدف الوصول لمراده، فيصير بؤرة فساد، وجرثومة من المرض تصيب كل من جاورها وخالطها، إن لم يُتَحَفَّظ عليه في أحد السجون أسير أهوائه ونزيل شهواته القاتلة أو يُودَع هذا المدمن في أحد المصحات، لعل الله يرحمه ويلطف به وينجيه بقدرته.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.